الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

المرأة في جنوب السودان تحت المجهر ‪]‬الجزء الثالث‪[‬

MiCT | النيلان
جوبا – ’إذا لم تستطيعي كسب العيش بيديك…‘: عاملات دعارة في جوبا، جنوب السودان.
25.04.2024

\"إذا لم تستطيعي كسب العيش بيديك فلديك مهبل تستطيعين استخدامه أيضاً، فما هو إلا عضو آخر من جسدك ينفعك كوسيلة تحقق غاية.\" (مجموعة نقاش، 14 أغسطس 2010)

خلال سنوات الحرب الطويلة في جنوب السودان (1955-1972 و 1983-2005)، دُفعت آلاف من النساء إلى العمل بالدعارة. وفي فترة ما بعد الحرب أيضاً، ونتيجة لانتشار الفقر ومحدودية الفرص الاقتصادية، لا تزال نساء كثيرات مضطرات للعمل بالدعارة من أجل كسب عيشهن وإعالة أسرهن.

ووفقاً لوصف جوليان فيلدويجك وكاثي غروينينديجك في كتاب \"الأمل والألم والصبر: حياة النساء في جنوب السودان\"، فإن عمل بائعات الهوى في الفترة التي تلت حرب جنوب السودان صعب وخطر في معظم الأحيان وينطوي على مخاطر صحية كبيرة.

جوبا عاصمة جنوب السودان هي محور هذا الفصل. حيث تشير تقديرات حديثة إلى أن 2,000 امرأة وفتاة على الأقل يعملن في الدعارة في المدينة اليوم.

الحرب والفقر وسوء المعاملة

كانت الحرب قوة دفع أساسية نحو الدعارة في جنوب السودان. فخلال الحرب الأهلية الثانية في السودان (1983 إلى 2005) قتل قرابة 1.9 مليون من المدنيين واضطر نحو أربعة ملايين آخرين إلى الفرار من منازلهم وفقدان أراضيهم ووسائل عيشهم ونظم إعالتهم. تحولت آلاف النساء، نتيجة غياب الخيارات البديلة، إلى الدعارة في محاولة يائسة من أجل البقاء.

وتلعب الحرب، حتى بعد انتهائها، دوراً في تنشيط الدعارة. فكثير من الناس ليست لهم منازل أو أسر أو مجتمعات يلجؤون إليها، ولا يملكون وسيلة لرحلة العودة إلى أوطانهم الأصلية. ولهذا نجد آلاف النازحين داخلياً في كافة أنحاء جنوب السودان، إضافة إلى أن استمرار النزاع في المناطق الحدودية يدفع الناس للنزوح.

اقرأ كذلك:

المرأة في جنوب السودان تحت المجهر [الجزء الأول]

المرأة في جنوب السودان تحت المجهر [الجزء الثاني]

ودفعت الحروب في الدول المجاورة لجنوب السودان أيضاً كثيراً من النساء الأجنبيات إلى الانخراط في الدعارة في جوبا. وقد أجرينا مقابلة مع جنيفر، امرأة من كيفو الشمالية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وروت لنا قصة مألوفة نسردها في هذا الفصل.

تزوجت جنيفر قبل سنوات جندياً في قوة الدفاع الشعبي الأوغندي التي كانت متمركزة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وكانت له زوجة أخرى في أوغندا، وعندما عاد إلى أوغندا اصطحب معه جنيفر. لم ترحب أسرته الموجودة هناك بعروسه الكونغولية الجديدة وتعرضت جنيفر لمعاملة سيئة وأصبحت حياتها في أوغندا لا تطاق بعد وفاة زوجها.

عندئذ، انتقلت جنيفر إلى جنوب السودان حيث بدأت مشروعاً صغيراً. لكنها أصبحت شديدة الفقر وغير قادرة على الاستمرار في عملها بعد أن تعرضت للسرقة مرتين. وبعد فشلها في إيجاد عمل آخر لم تجد أمامها أي خيار سوى اللجوء إلى تجارة الجنس لكسب عيشها. فذهبت إلى ماخور \"غمبو\" في جوبا لتبدأ العمل فيه. مصدر قلقها الكبير هو أنها لا تكسب ما يكفي من المال لإرساله إلى أطفالها في الوطن وهو هدفها الوحيد من الانتقال إلى جنوب السودان.

ويمكن القول إن الفقر هو العامل الرئيسي الذي يجر النساء إلى الدعارة. إذ بعد توقيع اتفاق السلام الشامل عام 2005، جذب تدفق أموال التنمية جنود حفظ السلام وعمال الإغاثة والمستثمرين من كل أنحاء العالم إلى جوبا. كما جذب فقراء من المناطق المحيطة بجوبا ومن الدول المجاورة جاؤوا يحدوهم الأمل بالعثور على عمل. لكن كثيرين منهم وجدوا أنفسهم أمام خيار وحيد هو الانخراط في تجارة الجنس.

روزماري امرأة أخرى قابلناها من أوغندا، توضح هذه الصورة تماماً. بعدما قتل جيش الرب والديها، اضطرت، لكونها البنت الكبرى، إلى ترك المدرسة وتزوجت لتعيل نفسها وإخوتها. توفي زوجها عام 2009 بعد صراع طويل مع المرض وبدأت حياتها بالتصدع. كانت روزماري مجبرة مع ولديها على البقاء مع أسرة زوجها. بيد أن أقاربه أساؤوا معاملتها ولم يقدموا إلا القليل لإعالتها مع طفليها، وفي النهاية اغتصبها أحدهم وحملت منه.

أقنعها ابن عمها بترك أطفالها مع جدّيهم ورحل معها إلى جوبا لتعمل عاملة في مطعم. الفقر والاستغلال دفعا روزماري لمغادرة أوغندا والقدوم إلى جوبا بحثاً عن حياة أفضل، لكنها لم تتمكن من إيجاد عمل فلجأت أخيراً نتيجة اليأس إلى العمل في الدعارة.

تظهر القصص الموثقة في هذا الفصل أيضاً نمطاً واضحاً من النساء والفتيات الهاربات من العنف المنزلي واللواتي ينتهي المطاف بهن إلى العمل في الدعارة. فقد تعرضت كل من روزماري وجنيفر للعنف الجسدي من قبل أقارب الزوج. ويظهر البحث أيضاً صلة واضحة بين الاغتصاب وتجارة الجنس في جوبا. وتحدث كثير من النساء اللواتي قابلتهن، لاسيما الأصغر سناً، عن تعرضهن للاغتصاب أو الاستغلال الجنسي قبل الانتقال للعمل في الدعارة، وغالباً ما حدث ذلك مرات عدّة. وعلَّقت فتيات صغيرات عديدات قابلتهن أثناء إعداد الكتاب قائلات إنهن امتهنّ البغاء بعد الإدراك أنهن سيكسبن النقود من العمل في ممارسة الجنس ما دمن يجبرن عليها في جميع الأحوال.

تواجه العاملات في تجارة الجنس في جوبا فقراً مستمراً ويتعرضن لعنف شديد ويتوجب عليهن التعامل مع قضايا مثل نقص العوازل والحمل والإجهاض، إضافة إلى رعاية أطفالهن في الوقت نفسه. ولا تحظى هؤلاء النساء بحماية من المؤسسات الرسمية ويتعرضن في معظم الأحيان للتحرش أو الاعتداء أو حتى الاغتصاب من قبل الأشخاص الذين يفترض أن يقدموا لهن الحماية. هذا وتحدث دعارة الأطفال داخل كل بيت دعارة تقريباً في جوبا.

وترى معظم اللواتي يلجأن إلى الدعارة أيضاً أنه إجراء مؤقت ينبغي تحمله حتى العثور على خيار أفضل، لكن الخيارات الأفضل محدودة ومن غير المرجح أن تنجو معظم النساء من براثن الفقر المدقع دون تدخل خارجي. لم يتخذ حتى الآن إلا القليل من الإجراءات لتحسين مستوى معيشة وظروف العاملات في الدعارة في جوبا. وحتى وقت كتابة هذه السطور لم ينفذ أي إجراء لمساعدتهن في إيجاد عمل بديل ناجح أو تأسيسه.

عند النظر في الصعوبات الهائلة المستعصية على الحل التي تدفع بالنساء إلى الدعارة، يصبح من الجلي أن تغيير ظروفهن سيكون تحدياً هائلاً. مع ذلك فإن اتخاذ خطوات لحماية تلك النسوة وضمان تمتعهن، هن أيضاً، بحقوق الإنسان والكرامة هي مسألة حاسمة بالنسبة لأصغر دولة سناً في العالم.


اقتباس معد من طرف كارا مينتجس من فصل جوليان فيلدويجك ”’إذا لم تستطيعي كسب العيش بيديك …‘: عاملات دعارة في جوبا، جنوب السودان“ من كتاب ”الأمل والألم والصبر: حياة النساء في جنوب السودان“، إعداد فريديك بوبنزر وأورلي شتيرن. التقطت الصور بعدسة إيرين عبدو وجين وارن. من منشورات معهد العدالة والمصالحة. رقم ISBN: 978-1-920196-36-3. الناشر: جاكانا ميديا. متوفر على الرابط http://www.jacana.co.za